رمضان على الابواب
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لسان يفقهوا قولي .. أما بعد ..
فها هو شهر رمضان ، لم يبق عليه إلا القليل من الأيام . فلذلك ، كان يجب أن نتجهز لهذا الشهر ، ومن أهم ما نتجهز به ، العلم بأحكامه ومسائله ، حتى يكون صومنا صحيحاً لا لبس فيه .فسأقوم إن شاء الله ، بطرح بعض المسائل ، التي قد تُشكل على بعض الصائمين ، وحلها ، وبضمنها طبعاً أخطاء الصائمين في هذا الشهر . اللهم اجعل هذا الشهر صيانةً لقلوبنا ، واجعل الشخص الذي دخل في رمضان ، يخرج منه وقد ازداد علماً وعملاً ، إنك قريب مجيب .
المسألة الأولى : دخول الشهر :
فقد كانت هناك مشكلة كبيرةٌ العام الماضي ، عندما اختلف دخول رمضان في السعودية ومصر ، فأدى ذلك إلى ارتباك الناس ، وخوضهم في خلاف كبير ، والأمر لا يستحق هذا ، فالعبرة بدخول الشهر ، هو رؤية الهلال ، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له )) [ البخاري : 1900 ، مسلم : 1907 ] . وفي رواية للبخاري : (( فإن غُمي عليكم ، فاقدروا له ثلاثين )) ، وفي رواية لمسلم : (( فاكملوا العدة ثلاثين )) . وللبخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )) [ البخاري : 1909 ] .
فالأصل أن رمضان يبدأ عند رؤية الهلال ، حتى إن كان الجو غائماً ، فلم يُرى الهلال ، نعتبر ذلك ليلة الثلاثين ، فنكمل شعبان ثلاثين يوماً ، ودليل تحريم صيامه حديث عمّار قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( من صام اليوم الذي يُشك فيه ، فقد عصى أبا القاسم )) [ أبو داود : 2334 ، الترمذي : 686 ] .
وتكون الرؤية بالعين المجردة ، أو المراصد ، أو بأي شيء كان ، لأن هذه الأشياء تعتبر مشاهدة ، كما قال بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله . وأما إذا اختلفت المطالع ، كما حصل العام الماضي ، فالعلماء على قولين أحدها ، أن يصوم الناس جميعاً إذا رأى أحدهم الهلال ، وهو قول الإمام أحمد وأبو حنيفة .
والقول الثاني ، وهو الذي عليه الشافعي وجماعة من السلف أن الخطاب في الحديث نسبي ، فإن الأمر بالصوم والفطر موجه إلى من وجد عندهم الهلال ، أما من لم يوجد عندهم هلال ، فإن الخطاب لا يتناولهم إلا حين يوجد عندهم ، قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله : (( وهذا قول له اعتبار من حيث الدليل النقلي ، والنظر الفلكي )) [ توضيح الأحكام من بلوغ المرام : 3/453 ] . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة ، فإن اتفقت لزم الصوم ، وإلا فلا ، وهو القول الأصح للشافعية ، وهو قول في مذهب أحمد )) . وقررت هيئة كبار العلماء في المملكة قراراً جاء فيه : (( فإن أعضاء الهيئة يقررون بقاء الأمر على ما كان عليه ، وأن يكون لكل بلد إسلامي حق اختيار ما تراه بواسطة العلماء من الرأيين المشار إليهما )) .
المسألة الثانية: الصيام قبل رمضان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )) [ البخاري : 1914 ، مسلم : 1082 ] .
هذا الحديث ، هو أصل عند أهل العلم في هذه المسألة ، وقد ذكر الكثير من أهل العلم معنى الحديث ، وقد اتفقوا عليه ، وهو تحريم صيام اليوم التاسع والعشرين والثلاثين ، فإذا كان شهر شعبان تسعةً وعشرين يوماً ، فأصبح التحريم ليوم واحد وهو الـتاسع والعشرين ، وإذا كان شعبان تاماً ، أصبح المحرم صيامه اليومان التاسع والعشرون والثلاثون . إلا من كان معتاداً على صيام التطوع ، مثل صيام يوم وإفطار يوم ، أو صيام الاثنين والخميس ، فوافق أحدهما ذلك اليوم ، فهذا يجوز له الصيام لاستثنائه في الحديث السابق بقوله صلى الله عليه وسلم : (( إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )) . وهذا باتفاق العلماء .
المسألة الثالثة : النية :
والنية شرط لصحة الصيام ، ويجب تبييته من الليل . قال صلى الله عليه وسلم : (( من لم يبيت الصيام قبل الفجر ، فلا صيام له )) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما . ولكن ليس معنى النية أن تقول : " اللهم إني نويت أن أصوم " ، فهذا خطأ ، فلم يكن يفعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا الأمر بدعة . سيقول بعضكم ، كيف ننوي إذاً ؟؟؟ نقول ، يكفي علمك بأنك في الغد ستصوم ، فهذه نية ، وإذا قمت للسحور مثلاً ، فأنت لم تقم لتتسحر ، إلا إذا كنت تريد الصوم في اليوم التالي ، فهذه نية . ولا تلزم النية يومياً ، فإذا نويت أن تصوم رمضان كاملاً ، فهذه نية شاملة . وقد نص على حرمة التلفظ بالنية جمع من العلماء ، مثل شيخ الإسلام ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، والشيخ ابن باز ، والموضع ليس مناسباً لبسط أقوالهم في هذه المسألة .
المسألة الرابعة : مبطلات الصيام التي تلزمها كفارة :
الكفارة / عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهريم متتابعين ، فأن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً .
1- الأكل للمتعمد / الأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم . ويشمل ما ينفع ويضر ، وما لا يضر ولا ينفع .
2- الشرب للمتعمد / ويشمل ما ينفع ويضر وما لا ينفع ولا يضر ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : (( ويلحق بالأكل والشرب ما كان في معناهما كالإبر المغذية التي تغني عن الأكل والشرب )) [ الشرح الممتع : 6/367 ] .
3- من استَعَطْ / أي تناول السعوط ، والسعوط ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف ، فإنه مفطر لأن الأنف منفذ إلى المعدة ، والدليل على إفطار من يتناول عن طريق أنفه قول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : (( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )) [ أبو داود : 142 ] .
4- الاستقاء / وهو استدعاء القيء ، ولكن لا بد من القيء ، فلو استدعاه ولكن لم يتقيأ فصيامه صحيح . ولا فرق في أن يكون القيء قليلاً أو كثيراً .
5- الاستمناء / وهو إخراج المني بأي وسيلة كانت .
6- المباشرة التي تسبب الإمناء / أي باشر زوجته باللمس أو التقبيل فإذا أنزل أفطر ، وإن لم ينزل لم يحصل الإفطار ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يباشر زوجاته وهو صائم .
7- تكرار النظر المسبب لإنزال المني / وتكرار النظر يحصل بمرتين ، فإن نظر نظرة واحدة فأنزل ، لم يفسد صومه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لك الأولى ، وليست لك الثانية )) ، ولأن الإنسان لا يملك أن يجتنب هذا الشيء ، أما إذا كرر النظر حتى أنزل ، فهذا يفسد صومه .
8- الجماع / وهذا يكون مفطراً وعليه قضاء وكفارة ، وأخطأ من قال أنه خاص بالرجل ، وهذا الموضع ليس مناسباً لبسط هذه المسألة .
المسألة الخامسة : ما لا يبطل الصيام :
جميع ما سبق إذا كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرها ، طيران الذباب إلى الحلق مثلاً ، أو الغبار ، أو إذا فكّر بالجماع فأنزل ( وهو مختلف عن الاستمناء ، فهذا فكر فقط ) ، أو احتلم ، أو أصبح في فيه طعام فلفظه ، أو اغتسل أو تمضمض أو استنثر أو زاد على الثلاث ، أو بالغ فدخل الماء حلقه لم يفسد صومه . وبلع الريق لكنه يُكره .
* فائدة : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مسألة بلع النخامة : (( بلع النخامة حرام على الصائم وغير الصائم ؛ وذلك لأنها مستقذرة وربما تحمل أمراضاً خرجت من البدن ، فإذا رددتها إلى المعدة قد يكون في ذلك ضرر عليك ، ............ - إلى أن قال بعدما ذكر قولاً بأن ابتلاعها يفطر - وفي المسألة قول آخر في المذهب ، أنها لا تفطر أيضاً ولو وصلت إلى الفم وابتلعها ، وهذا القول أرجح ؛ لأنها لم تخرج من الفم ، ولا يعد بلعها أكلاً ولا شرباً ، فلو ابتلعها بعد أن وصلت فمه ، فإنه لا يفطر بها ، لكن نقول قبل أن يفعل هذا : لا تفعل وتجنب هذا الأمر ، ما دام أن المسألة بهذا الشكل ، وليست النخامة كبلع الريق ، بل هي جرم غير معتاد وجوده في الفم ، بخلاف الريق ، فالخلاف بالتفطير بها أقوى من الخلاف بالتفطير بجميع الريق والأمر واضح ، ولكن كما قلنا أولاً إن ابتلاع النخامة محرم ؛ لما فيها من الاستقذار والضرر )) [ الشرح الممتع : 6/424 ] .
المسألة السادسة : ما اختلف العلماء في جعله مفطراً اختلافاً قوياً :
الاحتقان ، وهو إدخال الأدوية عن طريق الدبر . إدخال شيء إلى الجسم من أي وضع كان ، إلا من قناة الذكر ، لأنه لا يوصل إلى الجوف . نزول المذي الحجامة وغيرها ، فمثل هذه الأمثلة الأحوط لنا ألا نفعلها ، فبهذا نضمن صحة صيامنا .
المسألة السابعة : هل يعتبر من سب أو شتم في نهار رمضان مفطراً ؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) [ البخاري : 6057 ، أبو داود : 2365 واللفظ له ] .
أولاً ، هذا الحديث يشمل كل كلام محرم : من الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والسب والشتم وغير ذلك . وأما الجهل فهو ضد الحلم من السفه بالكلام الفاحش . قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله : (( الصيام مع الكلام المحرم ظاهره الصحة ، وأداء الواجب عن صاحبه ؛ إذ أنه ليس من المفطرات الحسية )) [ توضيح الأحكام : 3/483 ] . وقال في الإقناع : (( ولا يفطر بغيبة ونحوها )) [ توضيح الأحكام : 3/483 ] . قال الوزير : (( اتفقوا - يعني السلف - على أن الكذب والغيبة يكرهان للصائم ولا يفطرانه ، فصومه صحيح في الحكم ، وهذا مبني على قاعدة هي : أن التحريم إذا كان عاماً لا يختص بالعبادة ، فإنه لا يبطلها ، بخلاف التحريم الخاص )) [ توضيح الأحكام : 3/483 ] . وقد نص أكثر العلماء على أن المقصود من الحديث أن الصيام مقبول ، لكن أجره ناقص بسبب هذه المعاصي .
المسألة الثامنة : من يجوز لهم الإفطار في رمضان :
أولاً المسافر : بل الإفطار في حقه أفضل وأولى ، روى مسلم في صحيحه أن حمزة بن عمرة الأسلمي قال: (( يارسول الله ، إني أجد فيّ قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ )) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم ، فلا جناح عليه )) [ رواه مسلم : 1121 ] وأصله متفق عليه [ البخاري : 1841 ، مسلم : 1121 ] . ومما يدل على استحباب الأخذ بالرخص قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه )) . وعليه قضاء يوم عن كل يوم أفطر فيه .
ثانياً الشيخ الكبير : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( رُخِّص للشيخ الكبير أن يفطر ، ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليه )) [ رواه الدارقطني : 2/205 ، والحاكم : 1607 وصححاه ] . الشيخ الكبير والعجوزة الذان يشق عليهما الصيام ، لهما أن يفطرا ، وعليهما إطعام مسكين عن كل يوم ، وقدر إطعام المسكين هو مد من البر " الحنطة " ونصف صاع من غيره ، والصاع النبوي أربعة أمداد ، كل مد هو ( 625 غراماً ) فالصاع النبوي 3 كيلو غرامات . هذا في حق الكبيرين العاجزين العاقلين ، أما الذي أصابه الخرف والتخليط ، فلا صيام عليه ولا كفارة ؛ لأنه ممن رفع عنهم القلم والتكليف .
ثالثاُ المريض الميؤوس من برئه : حكمه حكم العجوز الذي يشق عليه الصوم .
رابعاً المريض الذي يرجى زوال مرضه ، ويشق عليه الصيام : فهذا له حكم المسافر.
خامساً الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما فقط ، أو خافتا مع نفسيهما على الجنين أو الرضيع : فهاتان يجوز لهما الإفطار ، وعليهما قضاء .
سادساً الحامل إذا خافت على جنينها ، والمرضع إذا خافت على رضيعها : فهاتان يجوز لهما الإفطار ، وعليهما قضاء ، وإطعام مسكين عن كل يوم .
سابعاً الحائض والنفساء : فهاتان يجوز لهما الإفطار ، وعليهما قضاء .
ثامناً المفطر لإنقاذ معصوم : يجوز له الإفطار ، وعليه قضاء .
تاسعاً الصغير والصغيرة : وهما من دون البلوغ ، وهما مميزان ، فيصح منهما ولا يجب عليهما ، وينبغي أمرهما به ليعتادا عليه .
عاشراً المجنون : لا يصح منه ، ولا يقضيه بعد إفاقته ، ولا يطعم عنه .
النقطة الحادية عشرة المختلط في عقله : وهو مختلف عن المجنون ، ولا يجب عليه ، ولا يطعم عنه .
النقطة الثانية عشرة : الكافر ، لا يصح منه ، ولا يقضيه ، ولو أسلم ، وإذا مات وهو على كفره سئل عن الصيام ، وعُذّب على ترك الصيام .
المسألة التاسعة : ماذا لو أتى رمضان وأنا لم أقضِ ما علي من الصيام ؟
إذا كان قد فاتك الصيام لعذر ، لعجز أو نحوه ، فلا شيء عليك ، وتقضي ما عليك بعد رمضان . أما إذا كنت قد تركت القضاء تهاوناً وتكاسلاً ، فعليك أن تقضيه بعد رمضان ، وبالإضافة إلى ذلك ، تطعم عن كل يوم مسكين ، كما دلت على ذلك الأدلة الصحيحة .
أرجو أن أكون قد أفدتكم ، وأسأل الله أن ينفعكم بما كتبت ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . قال الإمام البخاري رحمه الله : (( العلم قبل القول والعمل )) , المعنى الصحيح لكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) : لا معبود بحق إلا الله
أركان لا إله إلا الله :
أولاً النفي : نفي كل ما يُعبد من دون الله .
ثانياً الاثبات : إثبات استحقاق العبادة لله وحده .
منتديات بحرالنسيان